الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ليتعذب ليموت.. نعم يموت ميتة بشعة محتقرة مع أدنى اللصوص..كان كل قائد يتلو الجزء الذي اقترحه في هذه الشروط، وكانت همهمات الموافقة والاستحسان تعلو.. ولكن ما أن انتهى آخرهم من نطلق الحكم حتى ساد الوادى صمت رهيب وطويل، ولم يتكلم إنسان أو يتحرك..فقد اكتشفوا جميعًا- فجأة- أن الله قد نفذ فيه هذا الحكم فعلًا.. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس، وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت.. موت الصليب.ولنا بعد هذه المطالعة المفيدة عن سر «الانتحار الإلهى» أن نسأل:أـ هل كان العبيد الثائرون يعرفون أن الله عديم الإحساس بآلامهم المبرحة، فأحبوا أن يشعر شخصيًا بمرارتها حتى يرق لحالهم، وبذلك حكموا بقتله؟ب- هل انقطعت هذه الآلام بعد الصلب أم بقيت تتجدد على اختلاف الزمان والمكان؟ وبذلك لم تؤد قصة الصلب المنشود منها، فينبغى أن تكرر؟جـ- ما هي درجة السلطة التي يمتلكها هذا الإله في العالم؟ وهل هي من الهوان بحيث تسمح لثورة بيضاء أو حمراء أن تنفجر مطالبة بشنقه أو صلبه؟ وهل يحمل هذا الإله مسئولية المآسى العالمية؟!د- وإذا كان الصلب لفداء الخطايا، فهل هذا الفداء يتناول صانعى الشرور والآثام والمظالم أم يتجاوزهم؟ أم هو لتصبر الضحايا على ما ينزل بها؟ونحن لا نريد إجابات على هذه الأسئلة، فعقيدتنا نحن المسلمين أن الله العظيم فوق هذه التصورات الهازلة.إن هذا الكلام الذي قرأنا من أسوأ وأغرب ما وصف به الله، وما كنا نحن نتصور أن يصل الإسفاف في الحديث عن الله جل جلاله إلى هذا الدرك المعيب، ولكن صاحب الفم الذهبى- لا فض فوه- يأبى إلا أن يستغل مهارته الصحافية في تسطير هذا اللغو ونشره بين الطلاب المسلمين، لأنه يعتقد أن القرآن يقبل التعاليم المسيحية وأن التوحيد ينسجم مع التثليث.وقد كتب في رمضان الأسبق مقالًا في مجلة الهلال يحاول فيه إثبات هذا الهراء، ويريد به أن يختل المسلمين عن توحيدهم وسلامة معتقدهم.وكم نود أن نقول لهذا الكاتب ومن وراءه من الحاقدين على الإسلام: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: 77).وأعود إلى ما بدأت به هذا الحديث: إن أتباع الأديان المختلفة يستطيعون أن يعيشوا أصدقاء، والوحدة القومية بين العرب المسلمين والنصارى موضح احترام الجميع.لكن الانسياق مع التعصب الأمريكى ضد الإسلام يجب أن يختفى فورًا. إن كل محاولة لإهانة الإسلام وإحراج أهله لا يمكن أن تكون موضع احترام، والمال الأمريكى المبذول في هذا السبيل يجب أن يذهب هدرًا.
.حول صلب عيسى: لا أعرف قضية طال فيها اللجاج دون سبب يعقل مثل قضية الصلب والفداء، ولعلها أصدق شاهد يساق لقوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا}. ولا أزال أذكر حكاية القسيس الألمانى الذي زارنى يومًا في مكتبى، وشاء له سوء حظه أن يحدثنى فيها، فقلت له ضاحكًا: أترى هذا الثوب الأبيض الذي ألبسه؟ أرأيت إذا وقعت عليه نقطة حبر أتزول إذا غسلت أنت ثوبك؟ قال: لا. قلت: فلم يزول خطئى إذا اعتذر عنه آخر؟عندما ألوث نفسى بخطأ دق أو جل، فأنا المسئول عنه، أغسل أنا نفسى منه، أشعر أنا بالندم عليه، أقوم أنا من عثرتى إذا وقعت، ثم أعود أنا إلى الله لأعترف له بسوء تصرفى وأطلب أنا منه الصفح.أما أن العالم يخطئ فيقتل الله ابنه كفارة للخطأ الواقع فهذا ما يضرب الإنسان كفًا بكف لتصوره!!هذا أول الأسطورة، أما آخرها فلابد أن نعرف: من القاتل ومن القتيل؟؟إن المسيحيين يقولون: إن الله «الابن» صلب، لكنهم يقولون كذلك: إن الآب هو الابن، هما- والروح القدس- جميعًا شيء واحد.إن كان الأمر كذلك فالقاتل هو القتيل!! وذاك سر ما قاله أحد الفرنجة المفكرين: «خلاصة المسيحية أن الله قتل الله لإرضاء الله!!».ولمن شاء أن يقنع نفسه بهذه النقائض، وأن يفنى عمره في خدمتها، أما أن يجىء إلينا نحن المسلمين ليلوينا بالختل أو بالعنف عن عقيدتنا الواضحة ويحاول الطعن فيها فهذه هي السماجة القصوى.وبين يدى الآن نحو عشر نشرات وزعت خارج الكنائس للدعوة إلى أسطورة الفداء، قرأتها كلها وشعرت بالرثاء لكاتبيها.وكما يحاول قروى ساذج إقناع العلماء أن القنبلة الذرية مصنوعة من كيزان الذرة يحاول هؤلاء «المبشرون» العميان إقناعنا بأنهم على حق..المنشورات وما تضمنت من أوهام: اقرأ معى هذه السطور الصادرة عن كنيسة «مار مرقص» بمصر الجديدة، يقول الكاتب: «ربما لم أقابلك شخصيًا لكن هناك شيئًا يجب أن أقوله لك، إنه أمر في غاية الأهمية حتى أننى سأكون مقصرًا إن لم أخبرك به».حسنًا، هات ما عندك، ولا تكن من المقصرين!!يقول الكاتب: دعنى أخبرك بإخلاص أنها رسالة شخصية لك، لا يمكنك أن تهرب منها، وهذه هي الرسالة من إنجيل يوحنا (3: 16):«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل «ابنه» الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية».هذا هو الخبر الخطير! تمخض الجبل فولد فأرًا!!لماذا يقتل الله ابنه الوحيد البرىء من أجل ذنوب الآخرين؟وإذا كان الإله رب أسرة كبيرة فلم يقتل أبناءه كلهم أو جلهم من غير جريرة؟أليس الأعقل والأعدل أن يقول هذا الإله للمذنبين: تطهروا من أخطائكم وتوبوا إلىّ أقبلكم؟!ولا قتل هناك ولا لف ولا دوران؟هكذا فعل الإسلام وأرسى قواعد العلاقة الصحيحة بين الله وعباده {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} (النساء: 110).أما قصة أن لله ولدًا وحيدًا أو غير وحيد فكذب صارخ. إن الولادة شيء يتوقع بين بعض الأحياء، ولا مكان لهذه المفاهيم عند تصور الألوهية {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرًا} (الإسراء: 111).«يا ربى لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك».وهاك سطورًا من نشرة أخرى تحت عنوان «حقائق مخفية» بدأها كاتبها قائلًا: «حقائق أنت أحوج إلى إدراكها من الهواء الذي تتنفسه»!!شيء مدهش، ما هذه الحقائق التي نفتقر إليها على هذا النحو ولم نشعر بفقدانها من زمن بعيد؟يقول الكاتب: «تعال إلى الرب يسوع الآن كما أنت، لا تسع في إصلاح نفسك! لأنه هو يستطيع أن يخلق منك شخصًا جديدًا طاهرًا» ولكن لماذا لا أسعى في تزكية نفسى ورفع مستواى المادى والمعنوى؟يقول كاتب النشرة: احذر أن يكون مثلك مثل المتسول مع الرسام..ذلك أن رسامًا أراد أن يرسم رجلًا في منتهى الذل والمسكنة، فرأى متسولًا يتعثر في أسمال بالية، فطلب منه أن يحضر في ميعاد عينه له، على أن يعطيه أجرًا.. لكن ذلك المتسول خجل من أسماله البالية فاستعار لباسًا يدفع به عن نفسه الخجل، ثم أتى إلى الرسام في الميعاد، فلما نظر إليه الرسام قال: إنى لا أعرفك. فأجاب الرجل: ألا تذكر شحاذًا فقيرًا اتفقت معه على أن يجيئك في هذا الميعاد. قال: إنى لا أذكر إلا رجلًا في أسمال بالية أما أنت فلا أذكرك..إن الرب- يعنى يسوعًا- يطلبك في حالتك السيئة، وما عليك إلا أن تعترف بكل الشرور التي أنت مستعبد لها، وتقبله مخلصًا شخصيًا لك، إذا فعلت ذلك فإن حمل خطاياك ينطرح عن ظهرك.ونحن المسلمون نقرأ هذا الكلام ونستغرب أن ننقل صفات الله إلى شخص آخر.. إننا مكلفون- كسائر البشر- بتزكية أنفسنا وصقلها وتربيتها {ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها}.فإذا أخطأ أحدنا، ذهب إلى ربه يستغفره ويستهديه ويستعينه على العودة إلى الصواب {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله} (الشورى: 25، 26).ما دخل آدم أو عيسى أو محمد في ذلك، إنهم كلهم بشر يحتاجون إلى المغفرة، ويطلبون من ربهم النجدة.ولكى يحس القارئ بما حوت هذه النشرة من خلط ننقل هذه العبارة من كلامه: هب أنه طلب منك أن تشترك في جريمة صلب ربك، وأن تقل مع من هزءوا به، أكنت ترضى؟ يقينًا لا.. ولكنك ما دمت لم تختبر قوة صلب المسيح في خلاص نفسك من الخطيئة، فإنك بخطاياك تشترك في جريمة صلب ربك!هذا الهراء هو الذي نحتاج إليه كما نحتاج إلى الهواء الذي نتنفسه..عبيد يستطيعون صلب ربهم، ومع ذلك يطلبون منه المغفرة والرضا.. هلا طلبوا ذلك من الله الذي طلب منه المسيح نفسه النجاة، وعاتبه أن تركه للأعداء كما يقولون!!وهاك نشرة أخرى تحت عنوان «متجدد أم متدين»؟ بدأت بهذه الكلمات: الوردة الطبيعية جميلة الشكل زكية الرائحة، فيها حياة. والوردة الصناعية جميلة الشكل عديمة الرائحة ليس فيها حياة. إن الوردة الطبيعية تمثل المتجدد، أما الوردة الصناعية فتشبه أولئك الذين قال عنهم بولس: «لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها».ولا أفهم بالضبط ما يعنى بولس، أيقصد المرائين؟ ربما.. المهم أن كاتب النشرة يختمها بهذه العبارات «دعنى أسألك أيها العزيز: هل أنت متجدد أم متدين. إذا كنت قد حصلت على الولادة من فوق فطوبى لك، أثبت إذن في المسيح.. أما إذا كنت متدينًا فأسرع بتسليم حياتك الآن للمسيح.. فتنال الحياة الجديدة التي حصلت عليها المرأة الخاطئة حين غسلت قدمى الرب يسوع بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، والتى قال لها الرب: مغفورة لك خطاياك، إيمانك قد خلصك».هذه النشرة من مثيلاتها مصرة على تسمية المسيح الرب، ووصفه بأنه الغفار.ونحن نقبل المسيح مبلغًا عن الله كإخوانه الأنبياء لا يزيد ولا ينقص ونقتدى به وبهم جميعًا في التقرب إلى الله بالعمل الصالح.والتدين يهب لنا حياة عقلية ووجدانية راقية، أما التجديد الذي تتحدث عنه النشرة فضرب من الهوس يستهوى الصبية، ومن يحسبون الدين أوهامًا وتهاويل {وجعلوا له من عباده جزءًا إن الإنسان لكفور مبين} [الزخرف: 15].التجديد ليس أن تعجن الخالق والمخلوق في أقنوم مائع، ثم تلف حوله حارقًا البخور، نافخًا في المزمور، كلا، إن التجديد أولًا وآخرًا عقل يرفض الخرافة، وقلب يتعشق الكمال ويتطلبه..وهذا منشور آخر من «لبنان» يدور كذلك حول يسوع المصلوب غفار الذنوب يقول كاتبه: «أيها الأخ العزيز خطاياك موضوعة على يسوع لتنال سلامًا مع الله وتشفى نفسك من جروحها. إن تقدمت إلى المصلوب المحبوب وسلمته خطاياك تختبر أن دمه يطهرك من كل إثم حتى ولو كنت قاتلًا أو متعصبًا أو حالفًا بالله كذبًا، ومهما كانت خطاياك كبيرة أو صغيرة فإن المسيح هو يغفرها جميعًا»!!!
|